السبت، 13 ديسمبر 2014

   
    أطلب له الهداية ذاك الذي استولى على حسابي في الفايسبوك ، و الذي قام بقرصنة حسابي على الجيميل، حيث لم استطع منذ شهرين استعادة اصدقائي و لا الكتابة بمدونتي.
أطلب له الهداية او اللعنة...الهداية ان كان مراهقا يحسب الاستيلاء على ملك الغير تسلية ، و اللعنة ان كان بالغا و قام بعملته تلك لأي غرض كان.
هاأنذا انشئ هذه المدونة الجديدة، و احاول جهدي نقل ما أمكنني من تدوينات كنت قد نشرتها في مدونتي السابقة....أعتذر من القراء الذين كانوا يتابعونني في القديمة.
شكرا لكم جميعا.
مصدر الصورة
أذكر حين كنت ابلغ من العمر تسع سنين ، سمعت أبي يشتكي لأمي عن تجارته ، و انه سيعلن افلاسه و ان الشخص الذي تم الكراء عنه قد قرر التخلي عن ابي و اخراجه من المتجر،كان ابي جد حزين و يحمل هم اطعامنا او إيوائنا و اننا سنصبح متشردين. كنت صغيرة و لم اكن افهم مقدار حزن أبي او همه ، غير اني لم اتمالك نفسي و أنا أرى أبي على تلك الحال ، فهرعت اليه و عانقته و انا أبكي قائلة:" يا ابي انه مجرد متجر، فليذهب الى الجحيم ، لا يهم أي شيء ما دمنا نعيش مع بعض "... قلت ذلك من قلبي الصغير انذاك.
.
     اليوم يبلغ ابي من العمر سبعين سنة ، ولا زال يذكر تلك الحادثة، و كأني عانقته اللحظة، لا زال يذكر كلماتي البريئة تلك، ودائما ما يقول لي: "كنت في قمة الإحباط ، وكانت كلماتك بلسما لي ، وقد تساءلت من علمك قول ذلك".
    كان أبي يظن أن العالم سينهار أو ان الماء ستسقط وأن كارثة ستحل بعائلته ، مع أنه لم يكن سوى محل متجر، يمكنه كراء آخر من انسان آخر..... وهذا ما قام به فعلا.
هكذا نحن ، خلال رحلة سفرنا في هذه الحياة، نحمل هما لكل صغيرة و كبيرة ، سامحين للتوتر ان يغزو أفضل ما نملك، هذه اللحظات الثمينة التي وهبها الله لنا.
فلا تكن، أخي القارئ، فريسة لأنياب هذا الهم، وبذلك تضيع كنزك، هذا العمر المقدر لك، لا تضيعه في التفاهات، لا تخرب عقلك بذاك الجو الرمادي الدرامي الذي تقوم أنت فقط بتخيله.ابذل قصارى جهدك، واتخذ خطوات ، وان كانت صغيرة، لتخطو بها نحو الأمام، وللقيام بذلك عليك تجاهل ما يلي:


1 . السلبية الصارخة .


حافظ على هدوئك وحاول جهدك أن تكون ايجابيا في تفكيرك، قل بينك وبين نفسك وبصوت مسموع " أيتها السلبية ، آسف جدا، ليس لدي الوقت الكافي لأتفرغ لك، وقتي كله مسخر لما هو إيجابي"

وخلال الـــ 24 ساعة المقبلة، راقب نفسك، وفي كل مرة تشعر انك تريد ان تشتكي، أصرف نظر ، وتوقف. لا تشتكي ابدا مهما كان الأمر.  عليك ان تعلم أن الوعي بهذه العادة السلبية- الشكوى- هو أول خطواتك نحو الايجابية ، أي كلما وعيت أنك تكثر الشكوى كلما تقدمت في طريقك نحو التغلب عليها كعادة سيئة.

ان تكون أسدا ليوم واحد أفضل لك من ان تكون خروفا طيلة عمرك، لذلك بدل ان تشتكي ظروفك،  كن مشغولا بخلق ظروف احسن منها، وتذكر جبدا أن ما يبدو لك حجر عثرة سيصبح ركبزة نحو الأمام لو نظرت اليها نظرة ايجابية، وستقويك.

ستجبرك الظروف على التعامل مع أشخاص سلبيين، هذا لا محالة سيحدث لك، ما العمل حيال ذلك؟ ابتسم، حتى ولو أنك فعلت ذلك تظاهرا ، فقط ابتسم. واضحك ، حتى ولو كان ذلك الظرف  يؤلمك.فحياتك ثمينة ، و الضحك والابتسام سيزيدها بريقا فلا تسمح لهؤلاء السلبيين يعكروا لك صفوك. تجاهلهم كلما رأيت أقوالهم غير ذات أهمية نسبة الى إيجابيتك.

2 . الناس الذين يحاولون التقليل من قيمة اعمالك.


كلما اتبعت صوت قلبك وحدسك كلما ظهر أحدهم ليثنيك عن عزمك، حينما تجد ما سيجعلك سعيدا ضع في ذهنك أن ليس كل الناس سعداء بما يسعدك. في بعض الأحيان ، عندما تبدي بعض اللطف فسيقابله البعض بالتساؤل ما دهاك ،أو يشككون في دوافعك،  او أن يفسرون تصرفك ذاك بالضعف أو محاولة المخالفة قصد الظهور و الشهرة مثلا. اذا ما كنت صادقا كل الصدق فان بعضهم يحاول استخدام صدقك ضدك.
لا تدع أي من هؤلاء الناس يمنعك من فعل هذه الأشياء .في نهاية المطاف سيبدو لك هؤلاء الناس عديمي الأهمية، ما يهمك هو شعورك نحو نفسك و تجاه الحياة التي سطرتها .. سوف تسأل نفسك سؤالا واحدا : " هل أنا فخوربالطريقة التي أنتهجها في عيشي ؟" و ليكن جوابك هو "نعم.
قد لا تكون الأكثر وسامة، الأقوى ، أو الشخص الأكثر موهبة في العالم، هذا متفق عليه . لا تدعي أبدا انك شخص غير شخصك . أنت عظيم  حين تكون أنت. حين تكون شخصك.. قد لا تكون فخورا بكل الأشياء التي فعلت في الماضي ، ولكن هذا متفق عليه أيضا. الماضي ليس اليوم.
في نهاية المطاف ، انت بحاجة إلى الإدراك أن الكمال عدو العظمة. والعالم الحقيقي لا  يكافئ  الباحثين عن  الكمال ، بل يكافئ أولئك الذين ينجزون جلائل الأعمال. والطريقة الوحيدة لانجاز جلائل الأعمال هي ان تكون ناقصا 99.9 ٪ من الوقت .
في النهاية ، أنت لست  ذاك الإنجاز الذي أنجزته ، بل ذاك الشيء الذي تغلبت عليه ، كل تلك المصاعب، الأخطاء، الرفض و التهميش والآلام وكل تلك التساؤلات التي طالما أرقتك.
لكل منا قصة. لقد سبق لكل واحد منا أن جرب موقفا أو حالة تغير اثرها بطريقة لا يمكننا بعدها العودة الى ما كنا عليه سابقا.
خلاصة القول :  عش ببساطة . أحِب بسخاء . تكلم بصدق. إعمل بجد . ثم أترك الأمور تجري على سجيتها وليحدث ما هو مفروض أن يحدث.

دورك الآن: ...

قال أوليفر وندل هولمز مرة  " الكثير من الناس يموتون و موسيقاهم لا تزال في نفوسهم ، لم تٌعزف. " أعتقد أن هذا يرجع في جزء منه إلى تسامحنا مع  الأشياء الخاطئة - مصادر داعية للتوتر والتي يمكن تجاهلها.


3 . آراء الآخرين حول ما هو أفضل لك.

رضا الناس غاية لا تدرك، لذلك عليك أن تسطر بعض الحدود، فلا عليك ان تغير من سلوكياتك فقط لتترك انطباعا حسنا لدى الغير، افعل ذلك فقط لأنك ترغب في أن تسير نحو الأفضل، انك قد تخيلت الشخصية التي ترغب في ان تكونها في المستقبل لذلك قمت بتغيير سلوكياتك وفقا لقناعاتك الشخصية ولا يهم أبدا رأي الآخر، مهما كان ذاك الآخر. أن تكون أنت، بغض النظر عما سيقوله عنك الناس ، تلك هي الخلطة السحرية التي ستقودك نحو السعادة و الرضى.

سأقول لك شيئا مجربا: من اعظم ما سييجعلك حرا هو عدم اهتمامك بما سيقوله الناس عنك. تحمل مخاطر جديدة، وامض نحو ما يمليه عليك حدسك، ولا تقبع هناك في الزاوية الآمنة فقط لأنك تخشى كلام الناس ورايهم فيما ستقوم به.

في بعض الأحيان ، تكون بحاجة الى خطوة الى الأمام خارج المجال الذي اعتدت السير فيه، خارج الروتين الذي ألفته، صدقني، لو قمت بتلك الخطوة فستحصل على هواء جديد، و نقي، عكس الهواء الذي اعتدته.

 تجهز اذا، وضع نصب عينيك من تكون وماذا تريد أن تكون. اتخذ موقفا وقم بما تريد القيام به ،بالطريقة التي تريد انتهاجها، واضرب بآراء الآخرين عرض الحائط.

لا تدع العقول الصغيرة تحبطك، أو تحاول اقناعك ان اهدافك اكبر من أن تُحقق، لأنها –أهدافك- ليست اكبر من عزمك. فقط اعزم وتوكل على الله ولا تسمع لهم.

4 . تلك الفكرة العالقة، فكرة الكمال .


السعي نحو تحقيق  الكمال دائما ما ينتهي بالدمار.التفكير في القيام بأي انجاز بدقة تفكير منهك للقوى، وغير ذي فائدة. وفقا للدراسة التي قامت بها الباحثة بها " بروني براون: " يرتبط الكمال مع الاكتئاب ، والقلق ، والإدمان، وشلل الحياة أو الفرص الضائعة . الخوف من الفشل ، الوقوع في الخطأ ، وليس تلبية توقعات الناس ، و يجري انتقد يبقينا خارج الساحة حيث تتكشف المنافسة السليمة و السعي " .
كن فخورا بما انت عليه الآن ، وكيف استطعت أن تنمو ، و ما تعلمته خلال الطريق.

5 . ناكر الجميل ، والتفكير المادي .

مادامت حياتك جميلة ،تمتع بها ولا تذهب بعيدا بحثا عما هو أفضل.فالسعادة تأنف من أولئك الذين لا يقدرون ما هو موجود بين أيديهم. هناك دراسة في مجال علم النفس  اجرين سنة 2003 تؤيد قولي هذا (نيكرسون)، بحثت هذه الدراسة خلال مواقف و تطلعات 12000 طالب في الثمانية عشرة من العمر، وقامت بقياس حجم رضاهم عن حياتهم في سن ألــــ 37. اعربت الدراسة عن ان اغلب اولئك المراهقين الذين عبروا عن متطلباتهم و رغباتهم المحصورة فقط في الجانب المادي والذين دائما ما يرغبون فيما لا يملكون... ليسوا راضين  تماما عن  حياتهم بعد عقدين من الزمن.

   أن تكون سعيدا لا يعني إطلاقا عدم رغبتك في المزيد، بل رضاك و شكرك عما بيدك من نِعَم و عدم حمل الهم لما لم يأتك بعد، الكثير من الناس ينفقون أموالا طائلة ، و ربما استدانوا ، لاقتناء اشياء يمكن بسهولة الاستغناء عنها، ولا يفعلون ذلك غلا للظهور او إيثار حفيظة اناس آخرين، أنصحك أن لا تكون منهم.
في اغلب الاحيان نتوق لامتلاك اشياء جديدة ، وكبيرة ذات قيمة وننسى أو نعجز عن ملاحظة اشياء نملكها و تبدو لنا صغيرة وتافهة ، بينما في جوهرها  يكمن سحر الحياة الجميلة.
كان أبيقور يقول: "لا تفسد ما تملك برغبتك فيما لا تملك، تذكر ان ما تملكه الآن ، كان في وقت مضى من الاشياء التي تتمنى امتلاكها"

6 . فكرة أن كل شيء يجب أن يكون سهلا.                                       

ليس كل ما نواجهه يحتاج للتغيير، ولكن لاشيء يمكن تغييره دون مواجهته.كثير من الناس يعجزون على تحقيق ما ازمعوا انجازه في حياتهم فقط لأنهم حين دقت الفرصة أبوابهم كانوا ما يزالون نائمين غارقين في أحلامهم أو كانوا في انتظار معجزة ما.تذكر ان المشاكل ليست إشارات مرور، ولكنها خطوط توجيهية.أما الفشل فهو تجربة تعليمية ولا تعتقد ان القوة تأتي فقط من النجاح في كل شيء، كلما كافحت أكثر كلما اكتسبت  قوة ز زدت في نمائها.
هذه الأمور كلها، أعطت الميلاد للحكمة و القوة  اللتان من شأنهما مساعدتك على إضاءة العالم، حتى في أحلك الساعات .

7 . مقاومة داخلية للتغيير.

لا مفر من حدوث هذا التغيير في الحياة .فكل ما يحيط بك مؤقت وزائل- جسمك، ممتلكاتك، علاقاتك....الخ-، وليس لك أبدا قدرة السيطرة على كل شيء يحدث لك ، ولكن بالمقابل لك قدرة السيطرة على كيفية استيعابك لما يحدث.
 أولي اهتماما لتلك التغييرات التي تؤثر ايجابا في حياتك، كما تولي اهتماما لتلك  التغييرات التي  تشكل لك متاعبا و قدّر كيف أن ما هو غير متوقع يمكن أن يكون افضل مما كنت تتوقعه.
وقبل كل شيء، توقف عن القلق مما قد سبق و مضى، واعلم أن نهاية الأشياء الجميلة هي دائما  بداية الأشياء العظيمة
وقل في  لنفسك : "يا ايها الماضي العزيز ، شكرا لك على كل دروس الحياة التي علمتني إياها، وأنت ايها  الحاضر العزيز،أنا  في أتم الاستعداد ! "
لأن البداية الجديدة  التي لا تقدر بثمن تحدث دائما عند النقطة التي يُعتقد أنها  نهاية كل شيء.


فما رأيك أنت ؟ ماذا يمكنك إضافته لهذه القائمة ؟ ما هي مصادر التوتر التي تراها بحاجة الى التجاهل؟شاركنا رأيك في التعليق.



  كان من المفروض ان اكتب هذه التدوينة  في آخر يوم من السنة الفارطة حيث احدد برنامجي للسنة المقبلة  أي 2014، و اقرر برنامجي المزمع اتباعه واخطط فيه التحديات التي علي اجتيازها. ولكني لم اكن متأكدة انني سانجح زيادة على انني اكره كلمة فشل ، لذا ارجات الكتابة الى ما بعد التجريب.
في ليلة نهاية سنة 2013، اخرجت مفكرتي الجديدة ، و رحت اخط فيها جملة من النقاط متمثلة في برنامجي لسنة 2014... و اطلقت العنان لفكري ، عند نهايتي من الكتابة وجدتني  سجلت قائمة طويلة مما علي تغييره من عاداتي )قرابة 15 عادة( ، حقيقة أصبت باحباط. فقمت بالعدول عن الفكرة و قررت انتهاج  طريقة الكايزن، أي القيام بالتغيير خطوة خطوة، و لفترات وجيزة.
فكان القرار كالتالي:
-          التوقف عن مشاهدة التلفزيون لمدة عشرة أيام فقط.
-          التوقف عن شرب القهوة لمدة عشرة ايام فقط.
مصدر الصورة
يمكنك الإطلاع أكثر على الكايزن بقراءة كتاب روربرت مورير، بعد تحميله طبعا.

عشرة ايام ، ربما تبدو قليلة لك ، ولكنها طويلة بالنسبة الي ، انا شبه المدمنة على شرب القهوة و كذا مشاهدة التلفزيون، و لكنني ازمعت المضي في قراري ، و فكرة واحدة راسخة في بالي ، هي انني لن اموت بسبب عدم شربي للقهوة او مشاهدة التلفزيون.
بعد مضي اليوم الاول دون قهوة ولا تلفزيون،أحسست انني مهمشة ، أوأن العالم قد تقدم خطوة وتركني، أوأن صديقاتي قد تعلمن اشياء جديدة، إضافة الى بعض الآلام التي ما برحت تنقر دماغي نتيجة نقص الكافيينن ولكنني أقسمت انني سأواصل الى غاية اليوم العاشر.
و مر اليوم الثاني ، و ازداد  ألم الرأس ، وازداد معه إصراري على عدم التخلي عن القرار... ومر اليوم الثالث و الرابع ، إلى ان حل يوم الجمعة، و هو آخر يوم.
صدقني ، أخي القارئ، لا أستطيع وصف مشاعري صبيحة يوم الجمعة 10/01/2014، لكأنه يوم عيد، لم اكن افكر في القهوة إطلاقا، كأنني بدأت انساها، اما عن التلفزيون ، فقد استبدلت مشاهدته بالقراءة، حيث تم الاستبدال دون قرار، أي دون قصد مني وجدتني استعيض فترة المشاهدة بالانشغال بالقراءة، وقد قرأت في هذه الفترة كتابين، أي في مدة وجيزة ، عشرة ايام قرأت كتابين للمفكر: علي حرب.
لذا عدت إلى الصفحة التي دونت فيها قرار التوقف عن شرب القهوة و مشاهدة التلفزيون و أضفت لهما قرار ثالث هو قراءة 100 صفحة على الأقل يوميا.
و ها انذا اليوم ، بعد مضي 25 يوم من اتخاذ قراري،أعود إلى مفكرتي، وأعدّل من القرار ، ليكون كالآتي:
ثلاثون يوما دون قهوة و تلفاز. و انشر اليوم هذه التدوينة، اشارككم بها  حتى تكونوا لي عونا، في االثلاثين يوما هذه:


-             قررت ان أتوقف عن شرب القهوة.
-          قررت ان لا اشاهد التلفاز.
-          قررت ان اقرأ يوميا 100 صفحة على الأقل.
لم يبق لي سوى خمسة ايام، و أرفع يدي معلنة نجاحي في تحدي نفسي، والى تحد جديد، اترك لك فرصة ابداء رأيك و مشاركتي  تحد جديد.


هل أعجبتك التدوينة؟ يمكنك الاطلاع على الجديد باشتراكك في قائمة المدونة و تضمن بذلك ان يصلك الجديد في حينه 
"عندما كنت طفلاً، رأيت الله،رأيت ملائكة،رأيت أسرار العالَمَين العلويّ والسفلي، ظننتُ أنَّ جميع الرجال رأوا ما رأيته، لكني سرعان ما أدركت أنهم لم يروا..."                                        شمس التبريزي.
******
بهذه العبارات، تستهلُّ أليف شافاق، الروائية التركية، روايتها "قواعد العشق الأربعون" التي عنونتها عنواناً فرعياً "رواية عن جلال الدين الرومي".
تتصدى أليف شافاق للصوفية، كتجربة فردية تنقل المرء إلى العشق الإلهي، حيث، يتماهى الصوفي في خالقه ويبدو أقرب إلى الأثير في خفته، فينبذ العالم بما فيه من شهوات...غير آبه بما يقوله الناس، ويفني نفسه من أجل الآخر.وبهذا المعنى، تخلق أليف شافاق عالمين روائيين متداخلين، يختلفان عن بعضهما أشد الاختلاف، لكن التجربة الصوفية توحدهما، عالم إيلا وعزيز زاهار، مؤلف رواية "الكفر الحلو"، اللذين يعيشان في القرن الواحد والعشرين، وعالم جلال الدين الرومي وشمس التبريزي بطلا رواية "الكفر الحلو" اللذين عاشا قي القرن الثالث عشر، ما الذي يجمع بين هذين العالمين؟


تتناوب فصول الروايتين في الرواية نفسها بخفّة، وأليف شافاق روائية تتقن أدواتها، وتضبط روايتها بإحكام، وتظهر ثقافة رفيعة واطلاعاً واسعاً على ثقافات شرقية وغربية بما فيها التجارب الصوفية وفلسفتها، لكن السؤال الذي يخطر في بال القارئ: هل يمكن تفسير العالم وفهمه عن طريق التجربة الصوفية؟ هل بلغت أليف شافاق الإدهاش في الرواية؟
لم أستطع تلمُّس ذلك في هذا العمل الذي يمتدّ لخمسمئة صفحة، وإن كانت روايتها نموذجاً للرواية الأوروبية المتماسكة، متقنة الصنع، فالروائية تجيب عن الأسئلة كلها التي تتبادر إلى ذهن القارئ، لا مكان لأسئلة جديدة، ويمكن للقارئ أن يتبصر مستقبل الشخصيات والمآلات التي ستؤول إليها، تمسك بالقارئ وتسيّره وفقاً لقواعدها التي تجترحها.

توازي سيرة جلال الدين الرومي رجل الدين الوقور ذي النمط الكلاسيكي، على الرغم من توقه لتغيير حياته الراكدة التي تفتقد الإدهاش، إمام جامع وخطيب مفوّه ذو مريدين كُثر، سيرة إيلا المرأة الأميركية سيدة المطبخ، الزوجة الطيِّعة، التي تجهد نفسها في تأمين حاجات أولادها ورغبات زوجها الذي يخونها، وتتكتم على ذلك حرصاً على مؤسستها الزوجية، وهي، في ذلك كله، غافلة عن حياتها الشخصية.
بحيرتان
ما الذي عكّر صفو هاتين البحيرتين الراكدتين؟ ما الذي بعث الحركة من هذا السكون المطبق؟
كان ظهور شمس التبريزي هو الحجر الذي بعث الحركة في حياة جلال الدين الرومي، شمس الدرويش المتجول، والذي لا نعرف بالضبط لم بات متصوفاً، إذ لا تقدم الرواية شمساً إلا بوصفه درويشاً يتردد على حلقات التصوف. أثرى ظهور شمس حياة جلال الدين الرومي، كما أثرى حياة الآخرين، إذ نقل بعضهم إلى حياة أخرى، من مريض الجذام إلى السكير والمومسة التي غيرت مجرى حياتها عند التقائها شمساً، ونَقْلِ جلال الدين الرومي من الصورة النمطية لرجل الدين إلى رجل زاهد لا يهتم لأمر مريديه وأولاده وزوجته المسيحية التي هامت به، فبات يقضي معظم أوقاته في القراءة والتأمل بصحبة شمس، وكان أن تسببت علاقتهما بنبذ مجتمع جلال الدين الرومي له وكره مريديه لشمس ورغبتهم في التخلص منه.


وعلى الرغم من اختلافهم الشديد حين التقيا إلا أنه بمرور الوقت يتحدان في دائرة يصعب كسرها، وتنتهي العلاقة بمقتل شمس وبلوغ جلال الدين الرومي مكانة عالية في الشعر الصوفي.
ما الذي يحدو بشمس التبريزي لخوض هذه التجربة؟ هو الذي رأى موته ساعة دخوله قونية "مدينة جلال الدين"، أهو توق الفراشة للاحتراق بالنار؟ يموت شمس ويُكتَب الخلود لجلال الدين الرومي. وهل كان على جلال الدين الرومي أن يمرَّ بمحنة عظيمة، محنة انفضاض الناس عنه وفقد شمس كي يتحول إلى شاعر صوفي لا يُشقُّ له غبار؟
الأمر نفسه يتكرر مع عزيز، المصاب بمرض السرطان والذي يعرف أن نهايته وشيكة، بيد أن ذلك لم يمنعه من التعرف إلى إيلا وعشقه لها وإطلاعها على عالم الصوفية، فتنتهي تجربتهما بانعتاق إيلا من حياتها السابقة وبحثها عن حياة جديدة في مدينة لا تعرفها.
الصوفية في العصر الرقمي
ما الذي تريد أن تقوله الروائية وهي تنقل رواية جلال الدين الرومي إلى قرننا هذا؟ هل الصوفية تلك التجربة الفردية كفيلة بخلاص البشرية في هذا العالم المتغير وعصر الثورة الرقمية؟
حين تطلعنا بتساوق مذهل على حياة إيلا الرتيبة والتي تعصف بها الريح ما إن تقرأ رواية "الكفر الحلو" لعزيز زاهار، عزيز الذي مرّ بمحنة تلو أخرى، محنة موت زوجته ومن ثم إدمانه المخدرات، لينتهي عند عتبات الصوفية، عزيز الذي رأى أسوأ وأفضل ما في الإنسانية ولم يعد يفاجئه أمر، المنحاز للفقراء والمستضعفين، هو شمس إيلا التبريزي الذي أُلقي في بحيرتها الراكدة.
هل يمكن لكائنين مختلفين تفصل بينهما أميال شاسعة أن يلتقيا؟ بل أن يقعا في الحب، هذا ما حدث بالضبط بين إيلا وعزيز زاهار، عشق خلخل حياتها ودفعها باتجاه لا يتساوق مع حياتها التي عاشتها، تلتقي إيلا بعزيز لكنها لا تمارس الجنس معه، يتعرف جلال الدين الرومي إلى شمس فيهمل زوجته، يتزوج شمس الدين التبريزي كيميا مريدة جلال الدين الرومي ويعزف عن ممارسة الجنس معها، ما هو سؤال الجنس بالنسبة للمتصوفة؟ هل الجنس حرام؟ هل على المتصوفة إهمال الجسد والتفرغ لمحبة الله؟
قسمت أليف شافاق روايتها الرواية إلى خمسة أجزاء، تنضوي الأجزاء الأربعة الأولى على عناصر الوجود التي حددها سقراط: التراب "الأشياء التي تكون صلبة، متشربة، وساكنة"، والماء "الأشياء السائلة تتغير ولا يمكن التنبؤ بها"، والريح "الأشياء التي تتحرك، تتطور وتتحدى"، والنار "الأشياء التي تدمّر وتحطّم"، وتنتهي بجزء أسمته "العدم"، وأثر هذه العناصر على شخصيات الروايتين، وكأنما تنطوي الأكوان في كل شخصية من شخصيات الرواية، وفي هذا على ما أرى مصادرة للقارئ إذ يقع منذ اللحظة الأولى تحت تأثير العنوان فيحيل الأحداث إلى مكون من مكونات الوجود، وفي جزء "العدم" حين يُقتل شمس ويموت عزيز، تضعنا أمام فكرة البعث من الموت، وكأن موت المتصوف يخلق لمريديه حياة أخرى، يستمر من خلالهم، الحركة تولد من السكون وهي الفكرة التي لطالما ألحت عليها الروائية منذ بداية عملها.
لا شك أن رواية "قواعد العشق الأربعون" رواية ممتعة بما تحمله من سرد شيٌق للأحداث والتطورات التي يمرّ بها أشخاص الرواية وأفكار التسامح وعدم إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، بل إن كل شخصية في الرواية بذاتها هي تجربة جديرة بالتأمل، لكن السؤال الذي ما فتئ يساورني: هل من الممكن لتجربة الصوفية الفردية أن تكون خلاصاً للبشرية في القرن الواحد والعشرين؟ وكم يحتاج المرء من قوة في هذا العصر ليخوض تجربته الصوفية التي تخصه وحده ويكون فيها خلاصه.



مقتطفات من قواعد العشق الأربعون:

القاعدة الاولي : إن الطريقة التي نري فيها الله ما هي الا انعكاس للطريق التي نري فيها انفسن فاذا لم يكن الله يجلب الي عقولنا الي الخوف والملامة , فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا ,اما اذا رأينا الله مفعما بالمحبة و الرحمة , فاننا نكون كذلك.

قاعدة أخرى: 

إن الطريق الي الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس فأجعل قلبك لا عقلك دليللك الرئيسي...  واجه , تحد , وتغلب في نهاية المطاف علي " النفس " بقلبك،إن معرفتك بنفسك ستقودك الي معرفة الله.

قاعدة أخرى 

يتكون الفكر و الحب من مواد مختلفة  فالفكر يربط البشر في عقد لكن الحب يذيب جميع العقد. 
إن الفكر حذر علي الدوام وهو يقول ناصحا "احذر الكثير من النشوة" بينما الحب يقول "لا تكترث أقدم علي هذه المجازفة" وفي حين أن الفكر لا يمكن ان يتلاشي بسهولة، فان الحب يتهدم بسهولة ويصبح ركاما من تلقاء نفسه لكن الكنوز تتواري بين الانقاض 
والقلب الكسير يخبئ كنوزا.
قاعدة أخرى
الوحدة والخلوة شيئان مختلفان , فعندما تكون وحيدا من السهل أن تخدع نفسك ويخيل اليك انك تسير علي الطريق القويم ،أما الخلوة فهي أفضل لنا لانها تعني انك تكون وحدك من دون ان تشعر انك وحيد، لكن في نهاية الامر , من الافضل لك ان تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك،تذكر انك لا تستطيع أن تري نفسك حقا ,الا في قلب شخص آخر وبوجود الله في داخلك
قاعدة أخريى
إن السعي وراء الحب يغيرنا فما من أحد يسعي وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته فما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب حتي تبدأ أن تتغير من الداخل والخارج. 


هذه مقتطفات، وهي غيض من فيض، فبحر ابن الرومي لا ساحل له، وكتاب أليف شفاق جدير بالقراءة و التمعن، أنصحك بقراءته بشدة واضع لك رابطا للتحميل أدناه.


هذه الحكاية حقيقية حدثت فصولها في أحد مساجد بلد من البلدان العربية  ولعلّ أحد قرّاء هذا المقال قد كان شاهد عيان على أحداث هذه الحكاية، ولا سيّما إذا كان ممّن يرى أنّ الصلاة على الميت حسنة تقربّه إلى الله زلفى.

حينما  انتهيت من قراءة هذا الكتاب،راودني سؤال مفاده : لم لا يقرر مثل هذا الكتاب ضمن برامج المطالعة لطلاب الثانويات؟ حقيقة لم ؟
الكتاب   للمفكر السوري جورج طرابيشي الذي تبنى نزعة نقدية جذرية يرى أنها الموقف الوحيد الذي يمكن أن يصدر عنه المفكر، ولا سيما في الوضعية العربية الراهنة التي يتجاذبها قطبان :الرؤية  التي تمجد الماضي و تؤمثله والرؤية المؤدلجة للحاضر.


لن أطنب عليك و أحكي لك سيرة طرابيشي ، تكفيك  ضغطة زر لقراءة ذلك ، لذا سأسرد لك قليلا عن هذا الكتاب.
أراني أتفق كثيرا مع فكر طرابيشي، ففي هذا الكتاب يجمع مقالات متعددة تدور حول الحداثة والممانعة والعلمانية ومسائل ثقافية أخرى، وإحدى المفارقات الجيدة انه ينتقد كتابات محمد عابد الجابري، الذي أعشق كتاباته ،  فكانت مناسبة جيدة آن اسمع النقد والرد على الأفكار.
فقط أقول: إن أردت قراءة شيء مختلف , شيء خارج عن المألوف فعليك بهذا الكتاب.

مقتطفات
·        يحصر طرابيشي أمراض المجتمع الأهلي العربي بمرضين: الفئوية الطائفية و اللوبية الدينية.
·         قامت جدلية للمقدس و المدنس كانت الغلبة للثاني على الأول، فالمدنس يسعى دوما إلى إحاطة نفسه بهالة من المقدس و لكنه، كلما دعت الضرورة، عن انتهاك حرمة المقدس.
·        أول من صاغ عقيدة الحاكمية الإلهية هو المودودي، قبل ان يُدخلها الى الحقل التداولي للثقافة العربية المعاصرة سيد قطب.
·        حسبنا ان نقرر أن الثقافة العربية المعاصرة غير منتجة للعلم حتى نفهم لماذا يتحتم أن يكون المتفلسفون العرب عالة سواء على الفلسفة الاسلامية القديمة او الفلسفة الغربية الحديثة. فانتفاء شرط الانتاجية العلمية لا يترك لهم من نصاب آخر سوى ان يكونوا في الفلسفة من المستهلكين، أي المحاكين شرحا او ترجمة.
·        "الدين عقل من لا عقل له" فوكو...... فلنا ان نلاحظ ان العقل السائد في الثقافة العربية، وكم بالأولى في المجتمعات العربية، ليس العقل الفلسفي، بل العقل الديني، ليس العقل الشارع و ذا السؤدد الذاتي، بل العقل التابع و المُشرَّع له.
·        ....... على حد تعريف الشاطبي" العقل الذي لا يُسرِّح في مجال النظر إلا بقدر ما يسرِّحه النقل".
·        الخطاب الإيديولوجي موجه دوما من صديق الى صديق ضد عدو. اما الخطاب العلمي فقادر على انتزاع الاقتناع من كلا جانبي الخندق الفاصل بين المعسكرين المتعاديين.  


للإطلاع على قراءتي لهذا الكتاب، قم بتحميلها من هنـــــا .
ولقراءة الكتاب كاملا حمله من هنـــــا
يسعدني قراءة تعليقك ورأيك فيما قرأت.

المواضيع الأكثر قراءة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مشتركون في المدونة

أقسام المدونة